أبشر بطول سلامة يا مِرْبَعُ / محمد محمود ولد حبرز

19 أبريل 2007 يوم إستبشر فيه الموريتانيون خيرا، يومها كان وطنهم وتجربته الديمقراطية حديث اﻹعلام الدولي.
العالم يتغنى ويتغزل بتجربة فريدة، فما بالك بالموريتانيين انفسهم، وهم يشاهدون رئيسا مدنيا ولأول مرة في تاريخهم السياسي يتسلم الحكم من العسكر، في مشهد أقل ما يوصف به "فردوس الديمقراطية" ذاك عنوانه وظاهره، أما ما خفي كان أعظم.
بينما راودتني -كمواطن- أحﻻم اليقظة بغد مشرق لموريتانيا جديدة، فوجئت بحكم غير قابل للاستئناف صادر عن "العسكر" يقضي بوأد تلك التجربة، بل يرى فيها أنها بدعة ما كان لها أن تولد أصلا، ليتكلف عناء قتلها في مهدها.
عام واحد لعمري كان على عسكرنا الموقر كقرن من الزمن، ففي دستور عسكرنا المبجل، المحكوم مدنيا كالقابض على الجمر.
إيه وربي، إنها "الماما آفريكا" جغرافيا خصبة لزراعة بذور العسكر، فقم ل "العسكر" ووفيه تبجيلا ... كاد العسكري أن يبعث فينا.
انقلب العسكر حتى على من بيديه صنع، فالدستور العسكري جلي، وتصحيح المسار مستعجل وضروري، أعيدت اﻷمور إلى مجراها العسكري، في فجر السادس أغسطس 2008 الداكن شديد السواد والعتمة.
الغريب أن أجمل مافي تلك التجربة الديمقراطية الممتعة كانت أيامها اﻷخيرة، حيث بلغت ذروتها؛ البرلمان يحجب الثقة عن الحكومة، والمواطن معلق قلبه وذهنه ب "حجب الثقة" ، معناها "سياسيا" وما يترتب عليها من أمور قانونية، وبمعجم العسكر كان الشرح مفصلا، "إنها ببساطة تعني التحرش بحكمكم المدني" أيها الشرفاء الساسة، ومابعد التحرش بدمقراطيتكم إﻻ إغتصابها كما كان.
توالت الردود الخجلة، بيانات التنديد والشجب من هنا وهناك، ما لبثت أن تلاشت، وبدأت مغازلة المجلس العسكري، وألبس اﻹنقلاب زي الحركة التصحيحية، وبوركت من الجميع وإن كانت بدرجات متفاوتة.
تسارعت الخطوات في ما بعد، وكان أهمها نزع البدلة العسكرية، واستبدالها بثوب المدنية.
جاءت عشرية يا شنقيط يا حبيبة عمري إن أحسن ما في حكمك عشر..
عشرية عنها حدث وﻻحرج، أما أنا مستعجل ﻷتحدث عن مابعدها ومانحن فيه من عجائب السياسة يسطر بأنامل من ذهب.
بعد عشر عجاف -حسب الواقع، بعيدا عن أرقام التجميل، ومؤشرات التزييف- وعلى الرغم من إرتفاع اﻷصوات المعارضة للنظام العسكري بزي مدني، وكثرة اﻷحزاب المناوئة له، ناهيك عن التكتلات والمنتديات المعارضة ﻷول مرة في تاريخ البلد السياسي،رغم كل ذلك، سرعان ماتسارع الجميع -أغلبه حتى ﻻأعمم- إلى مرشح النظام، وأحد أبرز قادته، بل صديق ورفيق درب مرشدهم اﻷعلى.
ومن عجائب السياسة الموريتانية، أن يترشح ستة مترشحين للرئاسيات، دون أن يترشح أيامنهم بإسم حزب، بل أن البعض منهم سارع إلى نفي ترشيح الحزب له، وكأن دعم اﻷحزاب صار في عداد النواقص والعيوب السياسية.
مفارقة وسابقة سياسية بإجماع الكل "مواﻻتا ومعارضة ومابينهما من مستقلين وحتى بسطاء ليسوا بمصنفين" ،واﻷغرب هو تسارع قادة المعارضة إلى النظام، رغم مايكنون له من نقد وخلاف، وكأن قادة المعارضة صارو أحرص على النظام من أهله، في مشهد شرد بي بعيدا ﻹستحضار واقعة تاريخية من إخراجنا العربي،إذ إجتمع شيوخ بكر ووائل لحراسة "جمل" ملك العرب كليب (وائل إبن ربيعة)،رغم مايكنون له من مناكفة وإعتراض على قرارات يصفونها بالجائرة، لكن ظروف اﻹحتقان حتمت عليهم الموقف،برعاية الجمل "علال" مخافة أن يلحقه أذا من جساس، وهم لمالك الجمل كارهون معلنون العصيان عليه كملك، وماكان من حكيم العرب إبن عباد إﻻ أن قال "" أبشر بطول سلامة ياعلال".
شردت بنا اﻷذهان بعيدا، فلنعد إلى شياهنا والعود أحمد..
«زعم الفرزدق أن سيقتل مِرْبَعاً.. أبشر بطول سلامة يا مِرْبَعُ»..
بيت القصيد أن زعمت المعارضة "المدنية" المتذبذة أن تهزم النظام "العسكري" المتربع، أبشر بطول مأمورية ياعسكر...

--الوطن يجمعنا--