الإستقلال والإستغلال...ثروات وكفاءات ضائعة /المهندس.محمد محمود حبرز

من المسلًم به أن موريتانيا استقلت نظريا، لكن الواقع يوحي بأن قيودا حديدية لاتزال تكبل إستقلال الدولة في قراراتها وتنميتها وتطورها، والشواهد متوفرة وبكثرة، سنركز على بعض منها عسى ان تكون لنا فيه عبرة.
صحيح أن الإستعمار في زيه المتغطرس الجبار المتوحش العسكري لم يعد موجودا في العالم بأسره -إذا ما استثنينا الكيان الصهيوني الغاصب- ولكن توجد أشكالا من الإستعمار لاتقل خطورة، حتى وان كانت ناعمة في ظاهرها، فهي ربما اشد ضررا من الغزو الحربي، سواء منها ماكان غزوا فكريا،تنمويا،اجتماعيا أو اقتصاديا.
ولعل الغزو التنموي والإقتصادي هو بيت القصيد هنا.
إن أمة تأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لم تُنمٍي ولاتصنع، فعيشها بيد من لِأَكْلِها يزرع ولحليبها يصنع، ومن يرهن عيشك حتما بيده مصيرك وفي قراراتك يتحكم.
إن ماعُرف اعلاميا بأزمة "الكركرات" كأبسط واقرب مثال، أوضح هشاشة الدولة الموريتانية في امكانية توفير لقمة العيش لمواطنيها، فكيف يمكن للدولة الموريتانية ان تكون مستقلة في قرارها بالحرب أو السلم والقرار أصلا ليس بيدها، لأن حصارها يوم أو اثنين كفيل بإخضاعها.
ألم ينعم الله علينا بأراض خصبة شاسعة، يطل معظمها على انهار وبحيرات وسيول ومصاب، أو لم تُنجب موريتانيا عقولا وعلماء ومهندسين ودكاترة وفنيين وذوي كفاءات وخبرة عالية، في كافة المجالات، منهم من هاجر ومنهم من ينتظر؟!.
إن عدم "إستغلال" الموارد البشرية والمقدرات التنموية والثروات الإقتصادية لهو العائق الأول أمام "الإستقلال" الفعلي، ناهيك عن كونه عقبة أمام التنمية المستدامة، ومالذلك من انعكاسات جد سلبية على تطور وازدهار ونمو البلد.
من الطبيعي ان يكون للسياسة نصيب الأسد في تسيير شؤون الدولة، من مناصب وتعيينات للمسؤولين والتكليف باالمهام، لكن لابأس أن يكون للكفاءة والخبرة واحترام التخصص نصيبا هي الأخرى.
ومن إيجابيات النظام الحالي، أنه تميز بشيئ من ذلك، إذ شهدت حقائب وزارية هامة، اعتبارات الكفاءة والتجربة والتخصص، اكثر من اعتبارات السياسة والمحاصصة.
ومنها للتذكير لاللحصر تعيين وزير الصحة السابق معالي الوزير نذير ولد حامد، كذا خلفه معالي الوزير الحالي سيد ولد الزحاف، ومعالي وزير الزراعة الحالي سيدن ولد محمد اعل، ومعالي الوزيرة آمال بنت الشيخ عبد الله وزيرة التعليم العالي حاليا، وإن كان للسياسة نصيبها وللتوازنات الأخرى اعتباراتها، في تعييناتهم، فكانت للكفاءة بصمتها أيضا.
من عاش عيشة كريمة وبصحة جيدة وتوفرت له بئة العلم والتعلم، فما نقصه شيئا إن وجدت الإرادة.
وباالعودة إلى مثالنا "بيت القصيد"، التنمية والإقتصاد، وأن نتكلم عن من نعرف احرى أن نتكلم عن من عنه سمعنا، فإن تعيين إطارا كفؤا مهندسا زراعيا ذو تجربة وخبرة عالية في قطاعه، ناهيك عن نجاحاته في ماتولى من مهام في القطاع قبل تعينه وزيرا للزراعة، إضافة إلى خُلقه وخلفيته الدينية (ذاك حسبه وظاهره ولانزكي على الله احدا)، فلا الرشوة ولا فيروسات المفسدين والزبونية استطاعوا إليه سبيلا، فضلا عن تضحياته وإرادته واستعداده، وما نشاهده من حركة وديناميكية في قطاعه منذ توليه المنصب، لأمور تجعلنا نستبشر ولله الحمد أن إكتفاءا ذاتيا مرتقب، في اهم الحبوب المستخدمة في البلد كالأرز والقمح والزرع ومشتقاتهم، كذا الخضروات والفواكه والتمور، بل ربما يذهب بعض المتخصصين إلى ماهو ابعد من ذلك، أن تصبح موريتانيا دولة منتجة ومصدرة لمختلف الحبوب والخضروات والفواكه والتمور،وماذاك على الله بعزيز.
وذاك إن دلً على شيئ، دلً على "استغلال" الشخص المناسب في المكان المناسب لإستغلال البلد ماحاباه الله به من خيرات ومقدرات في قطاع ذو أهمية قصوى.
ومن هنا وجب التنبيه، يجب "استغلال" الكفاءات الوطنية، لتساهم بدورها في "استغلال" الثروات المتوفرة، من سمك وأراض خصبة ومياه كثيرة ولله الحمد، وتنمية حيوانية، ناهيك عن الحديد والذهب والفضة والنحاس والغاز والنفط، ومايتوفر من عقول بشرية وكفاءات وطنية في مجال التكنلوجبا، وعصرنة قطاعات الدولة وإداراتها، خصوصا منها القطاعات التعليمية والصحية والمالية والإقتصادية، ومالذلك من انعكاسات على سرعة عجلة التنمية.
فلن "نَستَقِل" مالم "نَستَغِل" ماوهبنا الله، استغلالا سليما دقيقا مدروسا ومبرمجا، أما غير ذلك فهو "استغلال الإستقلال" لمآرب الإستعمار الناعم.
عاشت موريتانيا "مُسْتقِلًة" لا "مُسْتَغَلًة" .